Dr.Muhtar F.BEYDILI - رجال يأتي بهم التاريخ ورجال يصنعون التاريخ
رجال يأتي بهم التاريخ ورجال يصنعون التاريخ ...الزعيم الشيخ حاج نعسان اغا
حين يكون الرحيل .. يذهب كل شيء يتعلق بالإنسان و يبقى عمله وسيرته والأثر الذي تركه في قلوب الناس و بصماته التى أحدثت فارقاً. وعندما نكتب عن صاحب قلب اتسع للجميع وامتلك من الأخلاق منظومة قيم متكاملة انعكست على سيرة حياته المليئة بالأحداث والمواقف والاعمال القيمة، يقف القلم عاجزاً عن سرد مشاعر لا يمكن ان تكتب على صورة تواريخ او أحداث.
رجال يأتي بهم التاريخ ورجال يصنعون التاريخ ، كثيرون ممن يأتي بهم التاريخ يذهبون دون ذكر اسمائهم فيما بعد ، ودون ان يبقى لهم أثر في تاريخ أمتهم، أما الرجال الذين صنعوا التاريخ فيسجلون اسماءهم بأحرف من الذهب على صفحات تاريخ بلدانهم ومجتمعاتهم، والتاريخ الإنساني مليئ بهكذا شخصيات ، فيعيشون في ذاكرة الأجيال على مرِّ العصور، ويبقون خالدين في ذاكرة اوطانهم ومجتمعاتهم .حياتهم حافلة بالعطاء .. ونضالهم تبدأ منذ بداية العمر الذي انقضى ولم ينقطع معه ذلك العطاء انه الزعيم التركمان الراحل حاج نعسان آغا كال محمد مصطفى باشا رئيس عشائر والقبائل التركمانية في سوريا ..
كان الشيخ والقائد وزعيم أمة بكل اقتدار .. كان الوجه الجميل والمشرق للانسان الوطني السوري عامة والتركماني خاصة.. فالتاريخ لا يكتب بالنوايا أو العواطف الجياشة أو الشعارات، ولا تصنعه المواقف المترددة أو المرتعشة، وإنما يُكتب ويُصنع بمواقف الرجال الذين يثبتون على الحق في اللحظات المصيرية، نعم ولا يفرطون في المبادئ والثوابت الوطنية والقومية مهما كان حجم التحديات؛ لأنهم يدركون أن عواقب التفريط باهظة الثمن، وأن التهاون قد يجعل الأوطان لقمة سائغة للطامعين وأصحاب المصالح الذين لا يتورعون عن التقلب في مواقفهم ما بين أقصى اليمين وأقصى اليسار في لمح البصر؛ خدمة لمصالحهم.
أن تكتب عن رجال بحجم وطن صعب لانك لن تعطي حقه في الكتابة ، لانهم رجال صنعوا تاريخا مجيدا، وسطروا أمجاداً حسنة بين ابناء وطنه ،وأخلصوا لوطنهم ناضلوا وضحوا شبابهم وسخروا حياتهم لخدمة الوطن والمجتمع، ومازلنا نتغنى بإنجازاتهم الوطنية والقومية ، ومازالت تلك الإنجازات هي الشعلة التي تضيء الدرب أمام الأجيال.. اولئك الرجال كانوا يفعلون ما يقولون، ولا يقولون ما لا يفعلون, أتحدث عن شخصية وطنية عظيمة أدين لها بالفضل الكثير وأكن لها خالص المحبة والشكر والتقدير والعرفان ، لقد أثر وتأثر به كل من تعامل معه، فقد اجتمعت فيه كل الصفات الوطنية والقومية ...
الزعيم والشيخ الحاج نعسان كال محمد مصطفى باشا، شيخ مشايخ التركمان في سوريا ذاك الثائر الذي أسهم ونضال مع الكثير من المجاهدين في تحقيق ثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي في الشمال السوري وذلك في الدفاع عن تراب الوطن الغالي في المدن والقرى في حلب وجرابلس وإعزاز وجوبان بي وعفرين وادلب وجسر الشغور ،حيث كان يلتقى وينسق مع أخوانة السوريين بكل اطيافهم من عرب وكرد ومع ابناء عمومته من كافة العشائر والقبائل التركمانية من أمثال القائد التركماني نويران آغا ومع شيخ المجاهدين في الشمال السوري المجاهد إبراهيم هنانو من جهة والمجاهد الشيخ يوسف السعدون من جهة اخرى، وبثورة جبل التركمان في باير بوجاق وثورة جبل صهيون منطقة الحفّة التي قادها المجاهدان نورس سوخطة (نوراز آغا ) من تركمان منطقة باير بوجاق من جهة والمجاهد عمر البيطار من جهة ثانية، وهذه الأخيرة كانت مرتبطة ارتباطاً عضوياً بثورة الشيخ صالح العلي في الجبال الساحلية، وقد لعب المجاهد هزاع أيوب دور ضابط الاتصال بين هذه الثورة الأخيرة وبين الثورة في المنطقة الشمالية بقيادة إبراهيم هنانو الذي كان لديه تعاون وتنسيق وثيق مع قادة و زعماء التركمان في المنطقة امثال الزعيم حاج نعسان اغا ونويران اغا وغيرهم في الريف الشمالي لمدينة حلب لنيل الحرية واسترجاع كرامة الوطن من المستعمر الفرنسي .
حيث ان التركمان والاكراد وهم أول من قاوم الفرنسيين في ولاية حلب بالتعاون مع الاتراك وخاصة مع مصطفى كمال اتاتورك ، تم ذلك بتشكيل مجموعات على شكل عصايات (جته ) ضد الفرنسيين حيث مدهم بالسلاح وحرضهم على الثورة ضد الفرنسيين حيث كبدو الفرنسيين الخسائر المادية والبشريه في المعارك التي جرت في منطقة بايربوجاق والحفة وجبل الاكراد وفِي شمال سوريا .
حسب الوثائق التي وجدتها فقد كان مع الشيخ نعسان اغا الكثير من العشائر التركمانية الاخرى التي انضمنت إلى مشيخته وهذا يدل على مبلغ قوته سيما وان علاقاته مع الجميع العشائر التركمانية والعربية كانت جيدة ..كان رؤوف بالضعفاء والمساكين وذوي الحاجة ويقضي حوائج الناس من دون مقابل كان ابن الشعب السوري بكل اطيافهم العربية والتركمانية والجركسية والكردية منفتح على جميع ابناء الوطن السوري من حدودها في درعا الى الجولان ودمشق وحماه وحمص وتل كلخ وحلب والاذقية ومن شرق حلب الى البادية الرقة وتل ابيض وصولا الى الحسكة والميادين والقضاء الشرقي بأكمله …
لم يكن الزعيم حاج نعسان اغا من الطامعين في المناصب، و لم يكن ممن غرتهم وهو فيها او ممن يستغلها او يتجاوز بها . حيث كان له الكثير من الفضائل على كافة الاصعدة فيما يتعلق بامور عشائرية من دون تمييز بين ابناء الوطن السوري الواحد في مدينة حلب وريفها الشمالي..
ومن هذه الحياة التركمانية الاصيلة اضحى هذا الرجل يمثل ارثا تركمانيا اصيلا فقصده الكثير من الناس إلى قريته ، والح عليه الكثير من التركمان ان ينتقل من ذلك المكان إلى تركيا او الى حلب ولكنه اصر البقاء في وطنه وقريته وبين ابناء قوميته لانه اضحى علما عشائريا لا يمكن التفريط به.
صدى اعماله وخدماته كانت معروفة من قبل كافة العشائر السورية وحتى العراقية ويشهد بذلك العشائر العربية من بني البطوش و الجبور و عرب الهيب و الجيس و الشمر و العنزه.
انه صاحب الابتسامة المشرقة الذي تبسم لكل شي في الحياة بكل ما حملته من آلام ومصاعب وتحديات .. متفائل دوماً .. محب للجميع .. كان إذا تكلم قال خيراً .. وكان حين الغضب من الكاضمين الغيظ والعافين عن الناس .
أحب جميع الناس .. الطفل والكبير والقريب والبعيد .. والتمس العذر لمن اخطأ أو قصر .. وكان سباقا في كل المواقف والمناسبات .. صاحب بصمة لا تنسى في لمسات يطفي بها على كل تعاملاته مع الاخرين و في جميع المواقف و التصرفات. كانت له لفتات تميزه في التعامل مع الأطفال و زيارات الأخرين في مختلف المناسبات، يشغل وقته رغبة و حب في السؤال عن الجميع و الإهتمام بأدق التفاصيل. كان الجميع في حظوره يشعر باهتمامه و رعايته و تميزه عن الأخرين.
التاريخ يثبت بان القائد الرمز يبقى الى الأبد في وجدان شعبه الذي قاد مسيرته في أصعب الأوقات، انه حيث انه لم يتنازل يومًا عن أي ثابتة من ثوابت الحقوق الوطنية والقومية للتركمان السوريين ، وعرف بحنكة الحكماء كيف يسير بين النقط وفي حقول الألغام يمسك بمختلف الخيوط، ويحرص كل الحرص على الوحدة الوطنية لمختلف ألوان طيف الشعب السوري .
هو أسد تركماني سوري بما تعنيه الكلمة ، بكم نتفخر الان وغدا ودائما عجزت الامهات أن تلد مثلكم ياجدي وقائدي ورمزي، أنتم كنتم صاحب القلب الكبير ورجل محبب لدى الجميع … كنت رجلا صادقا متسامحا كل من يعايشه يشعر بالألفة والانسجام والرغبة الشديدة في خدمة مجتمعه عامة والتركماني خاصة ،الوطن السوري وترابها بخير في ظل وجود الاوفياء والشرفاء من ابناء وطني على أرضها الطاهرة من كافة الاطياف العربية والكردية والتركمانية رحم الله شهداء الوطن الذين سطروا بدمائهم اروع البطولات من اجل ان نحيا نحن واجيالنا …
الشخصية الوطنية والقومية “الشيخ حاج نعسان اغا ” الذي رحل عن الدنيا الفانية فبالرغم من أن الرحيل كان موعدا مقدرا في تلك الساعه من ذلك اليوم والشهر والعام .. الا انه بالنسبه للتركمان جاء قبل أوانه بكثير. فغيابه نلمسه كل يوم وفي كل موقف وفي كل مكان .
إن التاريخ لا يرحم، وهو كما يرفع أصحاب المواقف إلى عنان السماء، فإنه لا يتهاون مع المترددين، أو هواة الشعارات الجوفاء، أو محترفي الإمساك بالعصا من منتصفها، ويضعهم في مكانهم الصحيح الذي يستحقونه، إن اللحظة هي لحظة المواقف الشجاعة والحاسمة..
في النهاية اقول ان قلمي ولساني عجزت عن وصف مبادئ الوطنية والقومية لزعيم التركمان الراحل الشيخ حاج نعسان اغا وسيرته ومواقفه التاريخية الذي دونتها وتدونها الايام والاجيال من بعدنا ....
تحية إجلال لكم ولشهداء الوطن يا رجل الوفاء ....
تحية لك من القلب ياجدي كنت وستبقى في قلوبنا ....
الله يرحمك ويجعل مكانك الجنة ...
المصادر
1-كتاب عشائر الشام للكاتب أحمد وصفي زكريا سنة الإصدار: 2012. رقم طبعة الكتاب: الأولى
2-اسكان العشائر في عهد الامبراطورية العثمانية للكاتب التركي جنكيز اورهونلو – الاستاذ فاروق مصطفى.
3-كتاب تركمان حلب: دراسات وبحوث في الثقافة الشعبية المؤلف: البرفسور محمد إرول. (Halep Türkmenleri -Mehmet Erol)
5- تقييم عام للتاريخ المعاصر والبنية التحتية الإستراتيجية للمناطق التركمانية في شمال سوريا -أ. دكتور. عبد الخالق بكر سليمان بكين
6-الحكم العثماني الانتداب الفرنسي لسوريا (1908-1938) الاستاذ عمر عثمان -مركز أبحاث أتاتورك الكتاب باللغة التركية.
7-Meğerse Suriye’de Türkmenler yaşarmış!- AYŞE HÜR
8-Ahmet Emin Dağ, “Halep Türkmenleri”, Marmara Üniversitesi’nde 2010 yılında kabul edilmiş doktora tezi;
9-Bir karındaşlık hikayesi- Tarık Yılmaz
10-Yalnızların sahibi var Türkmen’ime ‘yar’dır rahman (ogunhaber.com)
11-زعيم التركمان الشيخ حاج نعسان اغا ..رجل بحجم الوطن وعظيم بعظمة الامة بقلم الباحث الدكتور مختار فاتح بي ديلي في الرابط
|